موت الأقرباء من أقسى تجارب الحياة التي قد يعيشها أي طفل، وهي أشد مقاساة على مقدمي الرعاية للطفل، لأن الموت يجعلنا نواجه ضعفنا وقلة حيلتنا في تغيير الواقع الأليم.
كثيرًا ما تأتيني اتصالات ورسائل عاجلة من أشخاص يسألونني: «توفي والد الطفل أو توفيت أمه أو أخته. كيف نخبر الطفل؟ وكيف نتعامل مع ألمه وفجيعته بسبب الفقد؟». ودائمًا يكون ردي في نقطتين، أولهما: أن تتسامح مع عجزك وضعفك في هذه اللحظات، فأنت إنسان قبل أن تكون مقدم الرعاية للطفل، ومن الطبيعي ألّا تُخلّص الطفل من هذا الألم، سواءً أخبرته في الحال أو بعد الموت والفقد بسنوات. لذا نحتاج أن تتسع عقولنا وقلوبنا لهذه الحقيقة حتى نتمكن من دعم الطفل واحتوائه بأمان.
ثانيهما: من الضروري جدًّا أن تتعلم كيف يدرك الطفل معنى الموت حسب مرحلته العمرية حتى لا تطلب منه ما يفوق قدرته على الاستيعاب.
أول سنتين من عمر الطفل:
لا يدرك الطفل في هذا العمر ماهية الموت ولا معناه، لكنه يدرك اختفاء الشخص من حياته، ويدرك الفقد عاطفيًّا أيضًا لكن دون القدرة على شرح ذلك، لذلك قد تظهر عليه مشاعر الانزعاج أو تنتابه نوبات بكاء. وإن لم يتلقَّ الطفل الرعاية العاطفية اللازمة، فقد يكبت مشاعره من هذا العمر الصغير حتى لا يؤذي الكبار حوله.
كيف تساعده؟
لا تبدِ الانزعاج من مشاعره، بل رحّب بها وأعطِ الطفل فرصة ليعبر عنها بأمان*
حافظ على جدول محدد ومنظم ليومه ليشعر بالأمان*
حافظ أنت على اتزانك العاطفي، لأن مشاعر الطفل تتأثر مباشرة بمشاعر مقدم الرعاية*
من 3 إلى 5 سنوات:
يدرك الطفل في هذا العمر معنى العلاقات ويتفاعل مع التعلق تفاعلًا مختلفًا، فيدرك غياب الفقيد بوعي أكبر وتظهر عليه مشاعر الحزن والانزعاج جليةً عن المرحلة السابقة، ولكنه لا يفهم الموت تمامًا كما يفهمه الكبار، وربما تظهر عليه بوادر قلق الانفصال عن المقربين منه.
كيف تساعده؟
كما ذكرنا في المرحلة السابقة، دعه يعبر عن مشاعره أيًّا كانت، سواء شعر بالخوف أو الغضب أو الحزن. لا ترتبك من إظهاره لمشاعره، لأنك إن فعلت سيرتبك هو أيضًا.
ساعد الطفل بتسمية مشاعره، لأنه قد يكون غير قادر على التعبير عنها لفظيًا*
أكّد له أن هذه المشاعر الحادة التي يشعر بها مشاعر طبيعية، وساعده على إدراك سبب هذه المشاعر وأنها بسبب غياب الفقيد، ولا تظن أن ذكر الموت أو الفقد قد يزيد الطين بلة، بل على العكس من ذلك، حين تشرح للطفل وتوضح له الموت فأنت تعينه على فهم الموت وفهم ما يحدث له عاطفيًا.
ما بين 5 و 7 سنوات:
يدرك الطفل في هذا العمر معنى الموت، وتكون مشاعره في هذه المرحلة غير مستقرة، ولكنه قادر على تسمية مشاعره ووصفها ممّا يخفف عنه ألم الفقد.
ولتبسيط معنى الموت له، يمكننا أن نقول له:
أن الله خلق الإنسان من جسد وروح.
أن جسد الفقيد توقفت أعضاؤه عن العمل وأصبح جامدًا بسبب انتهاء عمره، وإن كان هناك سبب معين للوفاة يمكن ذكره للطفل أيضًا.
خلق الله الجسد من تراب، وحين يموت يعود للتراب.
الروح هي نفخة من روح الله في جسد الإنسان، وحين يموت تعود لله.
الموت هو انتقال الروح من محطة الدنيا لمحطة أخرى.
هذا الفراق مؤقت، لأننا سنلتقي مع الفقيد في هذه المحطة الأخرى حين نموت.
لا أحد يعلم متى سنموت، والله وحده يعلم متى تنتهي أعمارنا.
لكن، الجنة هي المستقر الدائم ولا موت فيها.
يمكننا المحافظة على صلتنا مع الفقيد بالدعاء له والصدقة عنه وذكر سيرته الطيبة.
بعد سن الثامنة:
يدرك الطفل في هذا العمر الغيبيات أكثر، لتطوُّر أجزاء كثيرة من دماغه، فتزيد أسئلته عن الموت، وتزداد معايشته لمشاعر مختلفة مثل الغضب واللوم والحزن والخوف وغيرها من المشاعر المختلطة.
كيف تساعده؟
تقبل مشاعر الطفل مهما كانت، ولا تطالبه أن يتوقف عن الشعور بمشاعر معينة أو يغيرها، ودعه يعبر عن مشاعره بالبكاء أو بأي طريقة ربما تكون مزعجة لك لكنها وسيلته للتعبير عن مشاعره.
أجبه إجابات صادقة وبسيطة وغير معقدة عن أسئلته.
قد يتقلب الطفل بين مشاعر مختلفة وهذا طبيعي، ساعده في فهمها ليتقبل مشاعره ويحتويها.
أخيرًا، شعور الفقد هو الشعور الوحيد الذي يلازمنا العمر كله، فكل المشاعر تأتي وتذهب، إلا الفقد! لكن بالصبر الجميل واللطف والرحمة يمكن أن تتسع أنفسنا لتقبّل هذا الفقد واستبصار المنحة في المحنة، وبدعمنا للطفل في رحلته مع الفقد بالصبر والحكمة والعطف سيتعلم من خبرات الحياة ما يُعينهُ على ادراك السِعة التي ستُحيط تجربة الفقد في حياته.